مدونة تحتوي على بعض من المقالات المنشورة في الصحف الورقية والالكترونيةالعربية

الاثنين، يناير 25، 2010

هل تنجح نجوى كرم بكسر لعنة الحفلات الفنية في العراق؟

فادي عاكوم: على رغم التاريخ العريق للشعب العراقي مع الغناء والشعر والفن العريق والحافل بالاسماء العظيمة التي لا تغيب عندما نتكلم عن تاربخ الفن، وعلى رغم النجوم الذين ظهروا في عصرنا الحالي، الا انه يبدو وكان لعنة ما تسيطر على الحفلات الفنية التي غابت منذ عشرات السنوات عن الشعب المتعطش للفرح والامان.

مع استعراض برنامج الحفلات الفنية للفنانين العرب خلال المرحلة المقبلة لم ترد بغداد باي جدول من جداول الحفلات، وهذا ليس بجديد فكل عام تتكرر القضية نفسها، وحين نطالع بين الفينة والاخرى خبرا عن مهرجان غنائي او مجرد حفلة يتيمة لاي فنان تكون خارج بغداد، اي في المناطق البعيدة نسبيا عن المناطق الخضراء والحمراء والملونة بالوان الخطر.

وفي حالة استثنائية اعلنت شمس الاغنية اللبنانية الفنانة نجوى كرم عن احيائها لحفلين غنائيين في مدينتي اربيل والسلمانية في الثالث والرابع من شهر كانون الاول القادم، علما انها ليست المرة الاولى التي تغرد نجوى في العراق بل سبق واحيت حفلتين منذ عقد من الزمن وكان ذلك عام 1998 الاولى كانت في ملعب الشعب الدولي والثانية في نادي الفروسية الرياضي.

وبالعودة الى اللعنة الفنية التي ترافق الحفلات في العراق، امامنا فترتين من التاريخ العراقي، الاولى وهي فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين والثانية فترة حكم القوات الاميركية وحلفائها، وخلال كلا المرحلتين بقي الحال كما هو بالنسبة الى الحفلات وان اختلفت الظروف المحيطة خصوصا الاوضاع السياسية والفنية.

ففي عهد صدام ساتناول محطتين بارزتين، الاولى ما قامت به المطربة اللبنانية فيروز عندما دعيت لاحياء حفل في العراق اذ أوقفت حفلتها في قلب بغداد، مطالبة بنزع صورة صدام المعلقة في القاعة التي تغني فيها، وللواقعة اثرها الكبير في نفوس العراقيين ولا تزال اصدا الموقف تتردد الى اليوم، حتى ان الكاتبة العراقية الكبيرة وصفت تفاصيل القصة في احد فصول كتاباتها وركزت على اصرار فيروز الغناء للشعب العراقي والعراق وليس للنظام الحاكم، وهذا الموقف كررته فيروز بتوجهها الى دمشق لاحياء حفلة على رغم الاوضاع السائدة بين البلدين، واصرت على غنائها للشعب السوري في وقت تمت مهاجمتها بعنف من قبل احدى الفرق السياسية المعارضة والمناوئة لسوريا، وكان موقفه نفسه كالموقف البغدادي: اغني للشعب والوطن وليس للحكام...

الواقعة الثانية كانت مع الفنانة نوال الزغبي التي احيت حفلات في بغداد وواجهت انتقادات لاذعة لقيامها بها، مما دفع الكثير من الفنانين الى العزوف عن الذهاب الى بغداد خشية ان يخسروا رصيدهم العربي او الخليجي تحديدا خصوصا وان منطقة الخليج تدر عليهم الاموال الطائلة، فان غضبت الكويت ومنعوا من احياء الحفلات فيها سينعكس ذلك على كل المنطقة، خصوصا وان اغلب الفنانين الجدد، واقول اغلب وليس الجميع، لا يهتمون بالفن بقدر ما يهتمون بالايرادات التي يجنوها من كل حدب وصوب.

وقد تاثرت اعمال نوال الزغبي لفترة بسبب حفلات بغداد خصوصا وان الدعوة كانت من نجل صدام "عدي" وكانت ابرز الحفلات حينها حفلة نادي الفروسية التي استمرت الى مطلع الصباح امام 800 مدعو معظمهم مسؤولون في الدولة واجهزتها، واكدت نوال حينها ان ما اثيرعن زيارتها لبغداد أخذ شكلاً مغايراً تجاوز حجمه الحقيقيّ، وقالت انها ذهبت للغناء في العراق في حفلتين: الأولى كانت في ملعب كرة قدم حضرها جمهور كبير من الشعب العراقيّ، والثانية كانت في صالة ضخمة تحتوي على ألف شخص".وأكّدت الزغبي:" لم أقابل أيّ مسؤول عراقيّ على أيّ مستوى، ولم أغنِ لصدام أو لأبنائه ولم أقابلهم أبداً، ومكثت في العراق ليلة واحدة". علما ان الدعوة كانت من "عدي" وحفلة نادي الفروسية كانت بوجود كبار المسؤولين وأضافت:" أنا فنانة أحمل رسالة المحبة والسلام ، وانا لم اتكلم في السياسة ولم اقابل سياسيين، كما وأنّي دعيت للمشاركة في حفل غنائيّ في العراق، والدعوة لم توجّه لي من صدّام أو من أحد أبنائه، وإنّما كانت من الشعب العراقي المضطهد الذي يعيش حالة من الحرامان".وتساءلت : " اين المشكلة إذا غنيّت لشعب العراق وليس للرئيس ؟ علينا ان نفصل بين الحكّام وبين الشعوب، ولا نحمّل الشعوب اخطاء الحكام"، وهنا نجد ان كلامها مجموعة من المفارقات المغايرة للواقع .

اما الان ومع اقشاع غيوم الفترة السابقة بقي الوضع على ما هو عليه ويبتعد الفنانون عن بغداد بسبب الاوضاع الامنية من جهة،وبسبب انتشار الافكار الدينية التي تمنع حفلات كهذه، وتتجه بوصلة الحفلات اليتيمة اغلب الاحيان الى شمال العراق واربيل بشكل خاص لانحسار العمليات العسكرية والتنعم بالهدوء النسبي السائد هناك.

وتجدر الاشارة الى ان حياة الليل والحفلات الفنية المحلية عادت بشكل خجول في بعض احياء بغداد وضفاف دجلة اذ اغلقت هذه الاماكن قبل سقوط النظام السابق واخر اعادة افتتاحها موجات القتل التي طالت بعض الفنانين وبائعي الخمور والراقصات والهجوم على اماكن الترفيه والفن والسينما والمسارح على يد الجماعات الدينية.

"شوشو" ابن جون البار الذي سلبته حرب لبنان حقه

فادي عاكوم : قلة من الشباب العرب يعرف الفنان الكبير "شوشو" او غيره من الفنانين الذين قدموا الروائع للفن العربي عموما واللبناني خصوصا في فترة السبعينات من القرن الماضي، وقلة من اطفال لبنان يعلمون او يتم تعريفهم بان اغلب اغاني الاطفال المحببة الى قلوبهم والتي يرددونها بشكل شبه يومي هي لهذا الفنان او ذاك، فمن المسؤول؟، اهي الحرب الاهلية التي دمرت لبنان، او ركاكة الوزارات المختصة التي توالت منذ عقود في لبنان وانحرفت عن مسارها الاصلي لتغوص في عمق اللعبة السياسية، فبات وزارات الاعلام والثقافة والسياحة مجرد حقائب لتمثيل الاحزاب السياسية المتقاتلة على قطعة "التورتة"...

حس علاء الدين المعروف فنيا بـ"شوشو" الذي نستذكر اليوم الذكرى الـ 34 لغيابه، ليس وحده الحاضر الغائب، فاين اعمال ماجد أفيوني و ابراهيم مرعشلي و أماليا أبي صالح و آماليا العريس و شفيق حسن و مرسيل مارينا وفهمان وصلاح تيزاني"ابو سليم" وفرقته وغيرهم الكثيرون الذين غابت ذكراهم، علما انهم فتحوا الابواب العريضة للعمل المسرحي والتلفزيوني العربي واللبناني، وذلك من خلال تجاربهم الاولى التي كانت اشبه بمغامرة في وقتهم، وبالفعل يمكن اعتبارهم رواد التجريب في المسرح والتلفزيون.

فالامكانيات المادية المتواضعة لم تمنعهم من مواصلة مغامرتهم الفنية النابعة من الايمان بالفن للفن فقط، والمؤسف ان غالبيتهم ماتوا قبل اوانهم اب في اوقات مبكرة وهم يعانون الامرين من الفقر، حتى وصل الامر بشفيق حسن المعروف بالدروندي ان يبيع السجائر على قارعة الطريق على احدى مداخل بيروت...

ان محاولة فهم مسرح شوشو واعماله الكثيرة التي قدمها في فترة قصيرة قد تبدو صعبة وشبه مستحيلة، اذ نجدها خليط من الفوضوية المنظمة والعفوية والكلاسيكية الخارجة بطابع شعبي، وسيطرة الايديولوجية نوعا ما على اعماله لارتباطه بالهموم المعيشية اليومية والتي كان لها الاثر الشخصي عليه من خلال الحياة البسيطة والفقيرة التي عاشها.

شوشو المولود عام 1939 من بلدة جون الشوف في اقليم الخروب وهي من قرى الشوف الساحلي، والتي انجبت العديدين من رواد الفن ومنهم المرحوم نصري شمس الدين الذي شارك المطربة فيروز بغالبية اعمال الرحابنة، بالاضافة الى فرقة جون للرقص الشعبي التي كان لها صيتها الرائع خلال مهرجانات لبنان السبعينية.

رحل شوشو في تشرين الثاني من عام 1975 مع بداية الحرب الاهلية اللبنانية، بعد ان ترك اثرا يستذكره البعض من خلال لهجته التهكمية وشكله المضحك بشاربيه الطويلين وثيابه الغير متناسقة والطربوش او القبعة، بعد ان خلق واسس مفهوما جديدا للمسرح، فقد بدا بالمسرح اليومي الساخر المنتقد والخارج عن المالوف بطريقة فاقت توقعات من كان يراقبه ويتابع اعماله انذاك، فالجو الساخر الذي كان يضحك رفاقه في المدرسة ورفاق والده في مقهى بساحة رياض الصلح تحول الى ظاهرة ومدرسة بحد ذاتها، وكانت اولى التجارب الفعلية على خشبة مسرح فاروق واتخذ قرار الاحتراف عام 1953 باول عمل خاص على خشبة الخلية السعودية ببيروت من خلال مسرحية "عنتر بالجندية"، حتى بدا بتقديم العروض تحت راية المسرح الوطني، وقدم "شوشو بك في صوفر" عام 1965، وانفصل عن شريكه المخرج نزار ميقاتي فتعامل بعدها مع مجموعة كبيرة من المخرجين وقدم العديد من الاعمال منها : "فرقت نمرة"، "واو سين"، و"وراء البرافان"، و"طربوش بالقاووش".

وكان للصغار حصة كبيرة من اعمال شوشو فقدم لهم الكثير من الاعمال المسرحية المترافقة مع اغان لا تزال رائجة الى اليوم منها نانا الحلوة نانا والف باء بوباية، وكان يظهر امامهم وكانه منهم اذ لبس ثيابهم وتكلم بطريقتهم فدخل قلوبهم بلا استاذان.

تلفزيونيا كان تعاونه مع والد زوجته الفنان محمد شامل مثمرا جدا وحلّ محلّ الراحل عبد الرحمن مرعي رفيق محمد شامل وقدم برامج تلفزيونية وإذاعية منها برنامج "شارع العز" و"يا مدير" و"الدنيا هيك"، لكن لم يكمل من مشروع "الدنيا هيك" لأنه كان يريد نصاً يقدم نجم المسلسل الرئيس، في حين محمد شامل كتب نصاً جماعياً.

كذلك لمع شوشو في اقتباسات نصوص موليير في "البخيل" و"مريض الوهم" وفي الاختبارات العديدة لأعمال لابيش، وفي مسرحية توباز لمارسال بانيول، وكانت العمل الرائع الذي قدمه حين تعاون مع المخرج روجيه عساف وقدم مسرحية "آخ يا بلدنا" عن أوبرا القروش الأربعة لبرشت المأخوذة بدورها عن أوبرا الشحاذين لجون غابي، و"خيمة كراكوز" من تأليف فارس يواكيم، تعاون شوشو مع برج فازليان في الاخراج، ولفازليان اهتمامات في المسرح الجدي، فكانت مسرحية "اللعب على الحبلين"، ثم كوميديا ديللارتي، ومسرحية "كافيار وعدس" لوجيه رضوان، في التقدم نحو المسرح الاجتماعي السياسي.

شوشو باحرف محمد شامل

في نص غير منشور للفنان الراحل محمد شامل كشف عنه الكاتب المسرحي اسامة عارف يقول : "شوشو اسم مازال يحيا في قلوب الناس، سمعت الأستاذ عبد المنعم مدبولي يقول عنه ـ عبر الأثير ـ إن شوشو فنان انسان... وقلما طافت مجامر البخور حول مخلوق حمل لقب انسان... لذا كان بالنسبة الي أكثر من قريب وصديق، زوجته ابنتي فكان صهري وأغدقت عليه من فني فإذا به يتخطى ـ عتبتي ـ ويخرج الى عالم المسرح ليظهر ما انطوت عليه نفسه من معاني التفوق والابداع.

كيف عرفته؟

لهذه المعرفة قَصة طريفة، عدت ذات يوم من مدرستي وأنا ألهث من تعبي، وما كاد يسخن تحتي الكرسي حتى بادرتني السيدة ـ أم يوسف ـ بظرف حول عدة تذاكر لحفلة فنية ستقام في تاريخ كذا في ليلة كذا في ـ محلة ـ كركون الدروز، وذكرت في تلك اللحظة الصديق الذي فقدته ـ عبد الرحمن مرعي ـ فدمعت عيني وقلت للسيدة حرمي، أهدي هذه التذاكر لمن يريد أن يروح عن نفسه ودعيني لشأني... ونظرت الي فعرفت ما بي فمدت يدها وأخذت ـ ظرف التذاكر من يدي ـ فقلت في نفسي سيكون مآلها. التمزيق... ومرت أيام وعدت كعهدي من عمل مرهق، فاستقبلتني السيدة بثغر باسم وأخذت ـ تسايرني ـ بعدما تكرمت عليّ ـ بفنجان قهوة ـ حتى جرنا الحديث الى ذكر التذاكر التي ظننت أنها توزعت ولا أدري لها مصيراً أو مكاناً رقدت فيه لتنسى، قالت السيدة، اليوم تاريخ الحفلة ـ إياها ـ وأرجو أن ترافقني إليها وأني لشاعرة بأن شيئاً ما سيكون ولا أدري ما هو؟ وأردت أن أعترض وأعتذر ولكن إذا شاءت حواء فلا مشيئة لآدم... وكان عليه الطاعة...

ركبنا ـ سيارة ـ أجرة، حتى وصلنا الى المكان الذي ستقام فيه الحفلة، وكان من حسن حظنا أن جماعة هناك أحسنوا استقبالنا وقدموا لنا كرسيين لي وللسيدة، أما بقية المدعوين فقد جلسوا على مقاعد خشبية، عليها ـ أثر ـ الباطون، لأن الذي تعهد عملها وعمل المسرح كان ـ "باطنجي".

وبعد أن قدمت إلينا المرطبات وعبارات التشريفات تصاعد صدى عدة مطارق إيذاناًببدء العمل، وأخذت الوجوه تتبدل فوق ـ ما سموه مسرحاً ـ وجوه تظهر ووجوه تختفي، والناس من حولنا يضحكون، وزاد الضحك وعلا التصفيق حين أطل علينا ظل انسان كان يرتجف من قمة رأسه الى أخمص قدميه وقد غرق في ألبسة رثة بالية، تبعث على الحزن والأسى أكثر مما تبعث على الضحك والاعجاب، وسألت عن الذي أقام ـ الأرض وما أقعدها ـ فقيل لنا انه حسن علاء الدين...

"بي بي سي" ومحاولة اللحاق بالفضاء العربي

فادي عاكوم : "هنا لندن... هيئة الاذاعة البريطانية تحييكم وتقدم لكم نشرة الاخبار..." لطالما كانت هذه العبارة ناقوسا يجمع الكثيرين من العائلات العربية والشباب وكان الاولاد محكومون بالانصات ليس حبا بالمعرفة بل بسبب قرار الصمت الاجباري المفروض في المنزل لسماع نشرة الاخبار، حينها كانت الاذاعات العربية لا تتعدى اصابع اليد الواحدة وكانت البي بي سي الضيف الاجنبي الدائم للبيوت العربية.

استمر الحال على هذا المنوال فترة طويلة حتى اصبحت البي بي سي كمملكة داخل مملكة، لكن النجاح اعمى بصيرة الملك ففقد التركيز على التقدم واللحاق بمن دخلوا بعده الى الفضاء الاخباري، واستمر الحال حتى ظهرت المحطات التلفزيونية العربية ومن بعدها الفضائية لتكتسح اسواقا هامة ظلت لفترات طويلة حكرا على الغرب بشكل عام اذا لم نستثني باقي الامبراطوريات الاعلامية من مشرق الارض الى مغربها.

وعلى رغم تعدد اللغات التي تبثها ال بي بي سي من خلال الاذاعة او التفزيون حاليا تبقى تلك الناطقة بلغة "الضاد" الامتحان الاكبر حاليا او العقبة الوحيدة المانعة من استعادة امجاد الماضي القريب، حيث تم تطوير الاذاعة الناطقة بالعربية اكثر من مرة وامدادها بنخبة من الصحافيين العرب، ومن بعدها تم انشاء الموقع الالكتروني والاهتمام بالقسم العربي لينافس الانتشار المجنون للشبكة العنكبوتية عربيا، واخيرا اطلاق محطة اخبارية فضائية في محاولة هشة لمنافسة الفضاء العربي بشكل عام ومحطتي العربية والجزيرة بشكل خاص.

قبل التوغل بمشاكل قماة البي بي سي ومشاكلها لا بد من الاشارة الى ان البي بي سي تواجه مازقا كبيرا في عقر دارها داخل بريطانيا بسبب مواقفها المتشددة حينا والمتسرعة احيانا اخرى تجاه كلا الحزبين المسيطرين على الساحة الداخلية حتى لم يتبقى لها من صديق، فكبح المحطة اصبح ضرورة وطنية لكل من حزب العمال وحزب المحافظين، في حين يرى البعض ان عداء البي بي سي مع كلا الحزبين الاساسيين في بريطانيا ما هو الا علامة على النزاهة، لكن يبدو ان الامور وصلت الى حائط مسدود مع ما يتردد عن تجميد لرسوم الترخيص كورقة ضغط على الهيئة بكاملها.

وياخذ البعض في الشارع الداخلي الاعلامي والسياسي البريطاني محاولة الهيئة تحولها الى الطبقة الثرية امثال ياهو وغوغل وغيرها المسيطرة على الانترنت عبر العالم، وتطالب البي بي سي داخليا وبشكل اساسي اعادة هيكلة اجور ومكافات المديرين الذين تم تشبيههم لمديري المصارف الكبرى، هذا بالاضافة الى الشق التحريري المطالبة بتعديله ليصبح اكثر دقة ومهنية وبعيدا عن السخرية كما هو اليوم .

الحرب الفضائية

بالعودة الى فضائية الـ"بي بي سي" نجد ان التخبط الحالي والفشل النسبي بالانتشار في المنطقة العربية او الوصول الى المشاهد العربي حول العالم ليس بجديد، فقد سبق وان تم اطلاق المحطة عام على شكل شبكة اخبارية عام 1994 وتم ايقافها عام 1996 بسبب سياستها التحريرية المتعلقة بالمملكة العربية السعودية، خصوصا وان الشركة التي كانت تبث كانت بادارة سعودية .

وهنا وقعت البي بي سي بالفخ الاول اذ ومع اقفال المحطة انتقل العاملين بها الى الفضائيات العربية واقسامها الاخبارية وكانت حصة الاسد لمحطة الجزيرة القطرية التي استقطبت عددا لا يستهان به من الكوادر بل تم تاسيسها على ايديهم، لتستطيع الانطلاق في نهاية عام 1996 الى الفضاء.

لكن عند اعادة اطلاق البي بي سي العربية عام 2008 كانت فضائية العربية قد ظهرت كمحطة منافسة على عرش المحطات الاخبارية لتقضي على اي امل بالدخول مجددا على خط المنافسة، اذ حصرت المنافسة على المشاهد العربي بين الجزيرة والعربية.

ومن الصعوبات التي واجهتها البي بي سي مشكلة تواضع التمويل مقارنة بالمحطتين العربييتين وكانت تعول على انتشارها من خلال صيتها كمحطة مستقلة وحيادية وهذا ما اثبت فشله اكثر من مرة بل انن بعض التصرفات والقرارات لتظهر غضب المشاهد العربي من المحطة البريطانية، خصوصا بعد استضافة رئيس التحرير السابق لصحيفة ديلي تلغراف الذي اتهم خلال احد البرنامج مجلس مسلمي بريطانيا بفشله وتقاعسه عن إدانة الهجمات التي تعرض لها الجنود البريطانيون في أفغانستان، ووقتها وصف تشارلز مور الذي يرأس مؤسسة تقوم بتوجيه صناع القرار والسياسة ببريطانيا، لجوء الجالية المسلمة إلى القضاء والقانون ضد المحرضين ضدها بأنها تستخدم ما أسماه "الجهاد القانوني"، مما اغضب الشارع المسلم البريطاني ودفع الهيئة للاعتذار ودفع التعويضات التي لم يكشف النقاب عن حجمها.

وفي ظل حالة عدم الاتزان هذه تأكد خبر مغادرة صلاح نجم رئيس تحرير الأخبار في الـ"بي بي سي" العربية وانتقاله إلى قناة الجزيرة الإنكليزية كمدير للأخبار فيها، وكان نجم قد شغل دوراً محورياً أثناء انطلاقة قناة بي بي سي التلفزيونية باللغة العربية عام 2008 مع عمله كرئيس تحرير للأخبار فيها.

وقد حاولت الـ"بي بي سي" جاهدة لخلق اسواق جديدة لها فانشئت القسم الفارسي الذ سرعان ما خبت نوره بعد الاشكالات مع السلطات الايرانية وايقاف المراسلين ومنعهم من العمل داخل الاراضي الايرانية بينما نجحت قناة العربية باستقطاب الجمهور الفارسي من خلال متابعتها اللحظية للوضع الايراني وتخصيص صفحة باللغة الفارسية في موقعها الالكتروني.

ومن المتوقع أن يشهد القسم العربي في الـ"بي بي سي" قريبا مجموعة تغييرات تطال التلفزيون والراديو والموقع الالكتروني، وذلك بعد تولي ليليان لاندور منصب رئاسة قسم أفريقيا والشرق الأوسط خلفاً لجيري تيمنز، وإشرافها على أداء القسم العربي منذ أشهر قليلة.

"عصافير النيل" يحل معضلة التمثيل المصري في القاهرة السينمائي


فادي عاكوم من القاهرة : حلت قضية التمثيل المصري في مهرجان القاهرة الدولي الذي يفتح ابوابه للمرة الثالثة والثلاثين في العاشر من الشهر لجاري، بعد ان قررت المنتجة الفنانة اسعاد يونس عرض احد الافلام التي تقوم شركتها بانتاجها ضمن فعاليات المهرجان بعد ان كانت قد اعلنت سابقا ان الفيلم ليس جاهزا فنيا للعرض ومن الصعب عرضه خلال المهرجان، ويندرج الفيلم باطار خطة العشرين مليون جنيه لدعم الافلام التي تنتهجها وزارة الثقافة المصرية بواقع ثلاثة ملايين جنيه للفيلم الواحد

الفيلم الذي انتجته الشركة العربية للانتاج اتى بعنوان عصافير النيل مقتبص عن رواية الكاتب ابراهيم اصلان تحمل نفس العنوان يعالج اسلوب العيش ومشاكل الحياة في احد اكثر الاحياء شعبية وكثافة في القاهرة وهو حي امبابة .

قرار المنتجة والفنانة اسعاد يونس بالمشاركة في المهرجان خطوة تحسب لها نقاطا ايجابية بالجملة، اذ ان الكثير من المنتجين الذين يتلقون الدعم من الوزارة يتهربون من مهرجان القاهرة ويطيرون بالافلام الى المهرجانات العربية الاخرى والعالمية خصوصا مهرجان ابوظبي ودبي للاستفادة من القيمة المادية للجوائز علما ان خطة دعم الوزارة اطلقت في الاصل لتامين حاجة مصر من الافلام المشاركة والمنافسة في مهرجان القاهرة العالمي.

وبمقارنة سريعة نجد ان المنتج الذي يفضل عرض افلامه خارج القاهرة لا يلام فجائزة القاهرة قيمتها 100 الف جنيه مصري بينما قيمة جائزة دبي تبلغ 570 الف دولار وقيمة جوائز مهرجان الشرق الاوسط في ابو ظبي تبلغ 100 الف دولار للفيلم الفائز و50 الف للمخرج .

وكان الفنان المصري عزت ابو عوف قد اشار خلال المؤتمر الصحافي الذي انعقد حول المهرجان وبوجود وزير الثقافة المصري فاروق حسني، قد اشار الى انسحاب فيلم عصافير النيل من المسابقة بعد الموافقة عليه واعتماده رسميا من دون اي يبدي الاسباب.

وتثير قضية الافلام عواصف نقدية تتحول الى زوابع صحافية بين الحين والاخر بعد تكرار هروب الافلام خصوصا بعد عرض في المسافر في مهرجان البندقية والممول بالكامل من قبل وزارة الثقافة، التي مولت ايضا : رسائل البحر، بالألوان الطبيعية، تلك الأيام، بنتين من مصر، وغالبية المنتجين والمخرجين تذرعوا بعدم الانتهاء فنيا وعدم الجهوزية للعرض كسبب لعدم الاشتراك في المهرجان علما ان بندا في الاتفاقية مع وزارة الثقافة تجبر الشركات المنتجة على المشاركة في مهرجان القاهرة.

وتفتح هذه القضية قضية الافلام المصرية ومستقبلها بعد ان كانت لفترة طويلة من الزمن متربعة على عرش الافلام العربية منافسة جدية للاجنبية، وقد تحدث الوزير الفنان فاروق حسني عن هذا الواقع واقر بوجود ثغرات كبيرة ومشاكل عديدة تواجه صناعة السينما تبدا بالنواحي الانتاجية وصولا الى اختفاء القصص الدرامية المناسبة لتحويلها الى افلام، كما دعا بعض الصحافيين والنقاد رجال الاعمال المصريين للاهتمام بهذه القضية عبر رعاية الاعمال الجديدة وفتح افق جديدة وتمويلها ان كان تمويلا للافلام بشكل مباشر او تمويل المهرجان لزيادة قيمة الجائزة لاستقطاب المنتجين للمنافسة.

فالانتاج السينمائي بكل الاحوال قضية تجارية ربحية ومن البديهي ان يتطلع المنتج الى الكسب الاكبر والاتجاه نحوها، فلا ذنب على المنتجين اذا ما تصرفوا بهذه الطريقة المادية، خصوصا وان السينما المصرية تعاني من قضية التسويق العالمي والتي تعتبر شبه معدومة علما ان اسواقا كثيرة من الممكن الاستفادة منها عبر العالم لو تم التخطيط الجيد للانتشار فيها .

أدرينالين: الوقوع في فخ التقليد


فادي عاكوم من القاهرة: أدرينالين هو اسم الفيلم الذي راى النور اخيرا في الصالات المصرية بعد طول انتظار، من خلال العرض الخاص الذي جرى في سينما نايل سيتي بكورنيش النيل، علما ان الفيلم ليس بجديد بل تم الانتهاء من تصويره منذ سنة تقريبا وتم التاجيل بسبب عرض "ميكانو" وهو الفيلم الثاني لمخرج العملين .

تدور احداث الفيلم في مدينة الاسكندرية حيث جرت حادثة قتل غريبة وتم سلخ جلد راس ويدي الجثة لاخفاء معالمها، لتبدا الشرطة التحقيقات في جو حاول المخرج احاطته بالاثارة والغموض نسبيا، وعند التدقيق في الاحداث والمشاهد يرى المراقب وبشكل جلي عدة اخطاء اخراجية، فعلى سبيل الذكر لا الحصر وفي المشهد الاول، وعند القبض على بطلة الفيلم غادة عبد الرزاق التي جسدت دور الدكتورة منال كان المشهد تحت المطر والمياه تبللهم تماما، لكن عند الوصول الى مركز الشرطة والمفترض ان لا يكون بعيدا كانوا ناشفين تماما حتى ان شعر البطلة مسرح ومرتب بشكل جيد، كما وقع المخرج بخطا اخر ايضا في مقدمة الفيلم عندما تم احضار الشهود مباشرة بعد الكشف عن الجريمة وهو امر يحتاج منطقيا لساعات بل حتى لايام، وخلال التحقيقات ادلت صديقة الدكتورة منال (غادة عبد الرازق) باقوالها وكشفت انها زودتها بكمية من المورفين وهذا الامر الذي لم يتم التطرق له نهائيا خلال احداث الفيلم مع انه من الخيوط الاساسية لمجرى التحقيق.

كما ان المشهد الذي حرص فيه الفنان خالد الصاوى "المحقق ابو الليل" حضور الفنان محمد شومان الذي لعب دور الطبيب الشرعي "الحلواني" التحقيق مع المتهم الذي اكد انه طعن القتيل طعنة واحدة لا اكثر، كان يجب على الحلواني والمحقق ان يركزوا عليها خصوصا وانهم في مشهد سابق اكدوا ان الموت كان نتيجة طعنات تلت الطعنة الاولى، فبذلك تم تخطي خيط من خيوط التحقيق وهو المجرى الاساسي للفيلم.

حاول المخرج جاهدا اضافة العناصر التشويقية من خلال اضافة بعض المشاهد والمؤثرات الدرامية والضوئية والسمعية، لكنها كانت في بعض الاحيان مبالغ فيها خصوصا في مشاهد المشرحة والمشهد الذي تظهر فيه البطلة وقد غرقت في البحر او انتحرت لتتخلص من اعباء الضمير.

ويبدو ان المخرج متاثر ببعض المسلسلات الاجنبية التي تعرضها الفضائيات والتي تتناول الطب الشرعي والادلة الجنائية فخلط بينهما وتم التركيز على الطبيب الشرعي ليجيب عن اسئلة كثيرة كان من المفترض ان يتم الاجابة عنها من خلال الادلة الجنائية، وحتى المختبر الذي برع " الحلواني" في مشاهده كطبيب شرعي كان فقيرا جدا ويفتقر للمعدات الحديثة والادوات التي غالبا ما يكون لها الدور في جذب المشاهد، الم يكن بالامكان تصوير هذه المشاهد في احد مختبرات المستشفيات الجديدة والعديدة في القاهرة لاضفاء الواقعية على المشاهد؟، وهنا لا بد من القول ان المخرج فشل في استغلال ضعف الشاشات العربية لهذا النوع من الافلام ولم يستغله كامل الاستغلال، ولولا الشخصية التي قدمها "الحلواني" الممزوجة بالعلم والفكاهة مقترنة ببعض التعابير لما نجحت المشاهد ابدا.

الزميل فادي عاكوم مع المنتجة والممثلة اسعاد يونس

وبالعودة الى طاقم التحقيق فالتناغم بين المحققين وعلى راسهم محمود أبو الليل الذي يؤدى دوره الفنان خالد الصاوي ومساعده الفنان إياد نصار، كان رائعا مترابطا لكن شاب المشاهد بعض الاخطاء ايضا، خصوصا ما يتعلق بالتعاطي مع الادلة حيث كان يتم مسكها بطريقة تزيل اثار البصمات، واحيانا ونفس المشهد ترى احد المحققين يعبث بالادلة والاخر حريص لا يمسكها الا بواسطة ملقط او يقلبها بقلم.

بالنسبة لمواقع التصوير والتي توزعت بين عدة مناطق في الاسكندرية كالمنشية وبحري ومنطقة الفنار بالاضافة الى مستشفى العجوزة ومشرحة زينهم وبعض شوارع القاهرة وستديو مصر، فقد تم الاختيار ان تكون الابنية كلها على الطراز المعماري القديم ولا يوجد اي نوع من الحداثة التصويرية بل اتت المشاهد تكرارا لعشرات الافلام التي صورت في هذه المناطق، حتى اثاث المنازل كان قديما، وربما قصد المخرج ان يكون المكان والاثاث عنصرا تشويقيا ليضفي الغموض والتشويق الانسيابي للفيلم لكن الم يكن من الاجدى مزج الاماكن وتصوير بعض المشاهد في اماكن ذات طراز معماري حديث؟.

القصة لا يقال عنها الا انها اكثر من رائعة وعناصر الغموض والتشويق فيها واضحة لكن الاخطاء التي اسلفتها زعزعزت العناصر الاساسية، اما بالنسبة للتقنيات المستعملة فلا تقنيات لافتة وهذا ربما يعود الى المبالغ التي رصدها الانتاج للعمل.

وبالنسبة للمحور الاساسي للقصة وهي مادة الادرينالين التي يفرزها الجسم عند الخوف فتنكشف قضيتها في الجزء الاخير من الفيلم والتي كان من المفترض ان يتم استغلالها اكثر لانجاح السياق العام للقصة اكثر.

كتب قصة الفيلم محمد عبد الخالق والتصوير كان على يد طارق التلمساني والاخراج لمحمود كامل وجسد الشخصيات مجموعه كبيرة من الفنانين منهم خالد الصاوي وغادة عبد الرازق وسامح الصريطى ومحمد شومان وهاني حسين وإياد نصار وألفت عمر.

خلاصة القول ان العمل لم يكن يلزمه الا بعض المراجعة خلال عملية المونتاج لتلافي الاخطاء الواردة وحتى اعادة تصوير المشاهد التي يجب اعادتها، ففترة سنة بعد الانتهاء من الطبع والتحميض قبل العرض تعتبر فترة طويلة جدا خصوصا وانه العمل الاول للمخرج الذي كان يجب ان يحرص على التفاصيل اكثر في اولى تجاربه.

بعض المشاهد الناجحة:

• الحوار بين المحققين .

• شخصية "الحلواني" خصوصا اجوبته لمحمود ابو الليل.

• مشاهد السجن للمتهم الاول في القضية النحات زوج الدكتورة منال والذي جسد دوره الفنان سامح الصريطى.

• مشهد المقبرة لمحمود ابوالليل حين عثر رفاقه عليه مدفونا.

بعض المشاهد المبالغ فيها والضعيفة:

• خروج غادة عبد الرازق من مقر الشرطة بعد اطلاق سراحها.

• ثياب ومظهر الممثلين بعد التعرض للمطر في المشهد الاول.

• التحقيق مع الشهود.

• وصول المحققين امام المستشفى وانطلاق الجاني الفعلي امامهم مباشرة علما انهم كانوا يعرفون رقم السيارة ونوعها.

ظلال الديكتاتورية تهيمن على الخشبة العراقية


فادي عاكوم من القاهرة: يابى العراقي ان يقلب صفحة ما قبل الاحتلال لشدة تاثر النسيج الاجتماعي بهذه الحقبة وبالتالي يظهر هذا التاثر واضحا بالحركة الثقافية والادبية وصولا الى خشبة المسرح، ولم يخرج هيثم عبد الرزاق باعداده واخراجه لعمله التجريبي "الظلال" عن هذا الاطار، فهو بالاصل فنان انتقل من النحت الى الاخراج فنقل معاناة الشعب. فتصويرها ونشرها بطريقته وبرؤيته الخاصة يعتبر عملا مقدسا له، كما انه استفاد من تجربة المخضرمين امثال قاسم محمد وسامي عبدالحميد، وفاضل خليل، وعزيز خيون، لينجز خبراتهم وأفكارهم مع مجموعة من الافكار الشابة امثال اقبال نعيم وميمون الخالدي وسنان العزاوي ضمن ورشة فضاء التمرين المستمر، ليبدا رحلة التدريب للتجديد ضمن اطار المسرح العراقي الحديث.

بحث عبد الرزاق في عمله المسرحي "الظلال" عن مسرحية "الموت والعذراء" لـلكاتب التشيلي أرييل دورفمان الذي قدمه على خشبة المسرح الصغير بدار الاوبرا المصرية ضمن فعاليات مهرجان التجريب الـ21 عن العدالة، العدالة التي تبحث عنها ضحية الجلاد بعد مرور زمن على واقعة التعذيب.

فالقضية على رغم أصلها التشيلي الا انها تبدو وكانها مصممة بالفعل لمعاناة العراقيين خلال حقبة من تاريخهم، وهذا بالفعل ما يعبر عنه دورفمان اذ يقول عن عمله: كانت القصة نفسها دائماً، ما اكتشفته في السنين التالية، لأني أصبحت خبيراً كارهاً لكل وسائل التعذيب والإذلال، إن حياتي وكتابتي طفحت بكل كارثة من كل قارة، تلك الأعمدة الفقرية المجدوعة والحيوات المهشمة – صينيون، غواتيماليون، مصريون، أندونيسيون، إيرانيون، أوزبكيون، هل لي أن استمر؟ - كلهم، رجالاً ونساء متشابهون، تحاصرهم القصة نفسها من اللاتوازن الضروري، حيث رجل واحد له كل السلطة في العالم والآخر ليس لديه شيء سوى الألم، حيث يستطيع رجل واحد بسلطته أن يقضي بالموت بضربة خفيفة من قبضته، والآخر يستطيع فقط أن يصلي من أجل أن تكون الضربة سريعة لكي لا يطول عذابه.

وبهذا يكون المخرج عبد الرزاق قد سجل نقاطا استباقية لنجاح العرض من حيث الفكرة، التي ارتكزت على الضحية والجلاد والعنف واللاعنف والمسامحة.

واللافت ان كلا من ميمون الخالدي واقبال نعيم وفلاح ابراهيم قد شكل بحد ذاته خشبة منفصلة داخل اطار الخشبة الموحدة للعمل من خلال البيئة التي وضعه النص بها وخرج منها للجمهور فلكل منهم معاناته وجراحه وافكاره ومعالجته لموضوع الاقتصاص من الجلاد، وشكلت بعض المشاهد التي ممكن ان نسميها جريئة نوعا ما خصوصا مشاهد الخوف والهلع التي ابداها " الجلاد" الضعف البشري أمام عملاق العدالة.

اما الممثل الخفي واللاعب رقم 2 في المسرحية فكانت تقنية الظل والنور التي كان لها الاثر الواضح بمساعدة الفنانين على التعملق في الاداء، بل ان التقنية الضوئية كانت الكلام المكمل للنص الاساسي للعمل، مع الاشارة الى المشاهد الرمزية للديكور، وعلى الرغم من بساطته الا انه شد الحاضرين قبل العرض وكان له الاثر الواضح باكمال الجو العام للعمل، كما ان الموسيقى المواكبة للعرض كسرت جدران الصمت المفترضة التي احاطنا بها العرض لتتركنا في بئر من التساؤلات حول مفهوم الرحمة، وليس اي رحمة بل رحمة الضحية للجلاد، خصوصا وان المشاعر المتناقضة تجسدت بمشاعر الضحية "المراة" التي وجدت جلادها "الطبيب" بينما من المفترض ان يكون الجلاد الجديد او القاضي هو زوجها، فانقلبت الآيات لتصبح الضحية هي الجلاد، والجلاد هو الضحية والقاضي حائر لا حول له وجد نفسه بين شاطئ العاطفة وبر القانون.

شباب لبنان يستحضرون جلاد المسيح

فادي عاكوم من القاهرة : لطالما كانت فلسطين والقضية الفلسطينية المحور الاساسي لاي عمل فني او مسرحي لبناني على مدى العقود الماضية، فحتى عندما كان الموضوع لبنانيا بحتا كنا نرى الكوفية وملحاقاتها موجودة روحا ونصا من خلال السيناريو او مجرى السرد العام، ويبدو ان هذه العقدة لا تزال مستمرة الى اليوم، فسمير عواد المؤلف والمخرج اللبناني اختار القضية الفلسطينية لتكون محور المسرحية التي قدمها على خشبة المسرح الصغير بدار الاوبرا المصرية ضمن فعاليات مهرجان المسرح التجريبي (21)، فوقع سمير في فخ الدلالات المستهلكة في "وامعتصماه"، ليمزج بين قصة السيد المسيح وما ناله من ظلم على يد الجلاد، وبين ما يقوم به الجلاد نفسه من قمع وتنكيل للشعب الفلسطيني.

للاسف، فإن استثنينا جهد الممثلين الشبان الذين قدموا العرض بحرارة نابعة من القلب، واداء حركي متميز، واحساس ميلودرامي، لكن مقطوع ومنفصل بسبب كثرة المشاهد المتتالية، قد لا نجد اياً من المعاني التي يندرج تحتها المسرح التجريبي؛ فالتجريب ان تقدم الجديد والحديث من الافكار للمعالجة والتطوير، او تناول القديم مع قالبه المتجدد، لا ان تتقوقع داخل فترة الحداثة ومسمياتها وادواتها، فالتقنية المستعملة خصوصا سينوغرافيا اللون الاسود التي سيطرت على العمل، باتت مشهدا كلاسيكيا لا إبداعي، فكان من الاجدر الخروج من عباءة الظل الاسود وان كان معبرا عن حالة الحداد الدائم، اما مشاهد الوجوه المتحركة او الشخصيات المحركة من قبل الممثلين فهي ايضا الاخرى قد شبعت تجريبا وعرضا على خشبة المسرح العربي بشكل عام، واللبناني بشكل خاص، فأتت هذه المشاهد لتضفي فراغا فكريا في ذهن المتلقي المتعطش لكل جديد.

وربما احس سمير عواد بالنواقص الموجودة وما بين يديه من نص ومعالجة ضعيفة، فاستعان بالفنان سامي حواط كضيف شرف على العمل ليحاول المعادلة بين كفتي العمل والمتلقي، فظهر حواط وهو الفنان اللبناني المشهور باغانيه الوطنية ذات الطابع الثوري في اول العرض، في موال المقدمة ليختفي بعدها نهائيا ويختفي الثقل المفترض للعمل، فان بقاء صوته وحذفه سيان لن ولم يؤثر على العمل باي شكل من الاشكال الفنية والمسرحية والادائية المعروفة.

ربما راعى عواد بعمله هذا الشارع اللبناني بكافة اطيافه وانتماءاته، واستعاد أفكارا استهلكت من قبل الشارع واليساري تحديدا، من خلال التركيز على خروج القضية الفلسطينية من دائرة الدين والطائفة وبانها قضية تتعدى الفكر الطائفي، فقدم تجسيدا لعذابات السيد المسيح وانتهاءه كشهيد، وحزن السيدة العذراء عليه، مركزا على بعض المشاهد الايحائية ذات الطابع الديني المستقاة من الطقوس المسيحية كمشهد العشاء الاخير الذي تم تجسيده بتقنية الظل والنور من وراء شاشة بيضاء، مكملا المسيرة من خلال حزن احد الامهات الفلسطينيات على فقدان ابنها بعدما عبرت به من فلسطين الى لبنان ايام النكبة عام 48، مضيفا إلى المشهد العام للعمل لمحات ولقطات تعبيرية عن تراكم الشهداء، والتركيز على حالة اللامقاومة او بمعنى اصح المقاومة المكبوتة والراضخة سريعا لرغبات الجلاد.

وخلاصة القول، فإن العمل الذي قدمته فرقة المحترف التجريبي اللبناني لم يأت بجديد، بل يلزمه التجديد بحد ذاته، وهنا يجدر بنا توجيه السؤال الى وزارة الثقافة اللبنانية حول سماحها للعمل بالاشتراك تحت مسمى التجريب، فهذا العمل ممكن ان يعرض على خشبات الجامعات اللبنانية والمعاهد والمدارس لا اكثر، فأين هو الإبداع والتجريب اللبناني الذي نذكر منه على سبيل الذكر لا الحصر اعمال روجيه عساف ويعقوب الشدراوي، ونضال الاشقر ايام التجريب على ارصفة شارع الحمراء، وما قدمه رفيق علي احمد وزياد الرحباني واخرون من اعمال تجديدية وحداثية كان لها الاثر الكبير على المسرح العربي والعالمي .

طقوس انتصار عبد الفتاح: عبادة متجلية

فادي عاكوم من القاهرة: في أجواء حميمة متناغمة مع عبق الماضي، في احد أكثر الأمكنة في القاهرة ازدحاما وتراثا، باح انتصار عبد الفتاح بمكنونات كثيرين ممن يحنون إلى الزمن الجميل من خلال عمله المسرحي "أطياف المولوية" الذي قدمه في قصر الغوري بمصر القديمة، عمل جميل بل رائع، أعاد به اللحمة للأديان السماوية في زمن كريه شعاره العنف ونبذ الآخر.

لا شك بان عصيبته الظاهرة قبل العرض وحرصه على الانضباط والتوقيت والتنظيم كانت بسبب حرصه على التفاصيل، التي اتضح انها اللاعب الاساس في العملية المسرحية، فانتصار بعمله هذا تخطى لغة الحوار المسرحي المعروفة ليستنبط لغة قوامها الضوء والصوت والجسد والمكان، وما الكلام الا وسيلة مساعدة ومن الممكن القول انه اذا حذف الكلام فلن يتاثر العمل بشيء.


جمع انتصار تحت قبة الغوري مداحين ومرنمين من الاديان السماوية التي فرقتها العولمة او العصر الحديث، فأتى صوت المؤذن مع مرنم الكنيسة ليمزج العربية مع اللاتينية والله اكبر مع اسم الاب والابن، لتعود ذاكرة الحاضرين الى الايام الجميلة عندما كانت اجراس الكنائس تتعانق مع اصوات التكبيرات في الافراح والاتراح، في الزمن الذي كنا نسأل فيه الأهل عن انتمائنا الديني فنواجه بالنهر والجواب واحد: لا فرق بين الاديان كلنا اولاد الله.

60 مشاهدا للعرض فقط يقابلهم 60 عاملا في العرض يتوزعون بين الممثلين والموسيقيين والمغنين والتقنيين، ولا ننسى طبعا قارع الطبل الهادر المخرج انتصار।


يتمحور العرض حول كاهن ضائع داخل نفسه، فيتقدم من الآلهة ليحصل على الاجوبة التي ستشفيه من الحيرة فهو قارئ زاهد مطلع على امور الدنيا والدين، لم يمارس الرذيلة والظلم طوال عمره، يفتش عن الخلاص الذي ظن انه داخل النهر المقدس المحروس من التمساح الشرير، ونرى خلال السرد التراجيدي مشاهد الطقوس الدينية تمارسها كبيرة الكهنة، فتارة يتم تعميد الكاهن الحائر، وتارة تناوله الماء للوضوء، ويقابله ممثل يبتهل ويصلي، وأخرى ترسم إشارة الصليب على صدرها، والابرز كان تناول جميع الممثلين كسرات الخبز المقدس بطريقة مشابهة تماما لتناول جسد المسيح خلال طقوس القداس، ولا يصبح الكاهن كاهنا الا عندما يحرر قلبه من كل الشوائب التي تعتريه.

ولا بد من القول إن الجو العام كان صوفيًّا بامتياز من خلال تمازج الصلوات والخشوع، وتوج بتأدية الرقصات الصوفية المترافقة بالابتهالات الدينية الاخرى لتضفي سكونا وسكينة على المكان والحاضرين، حتى يخيل للمتابع والمتلقي ان الانفاس حبست او قُطعت، او حتى شاركت بطقوس العبادة التي فرضت عليهم.


لم يستثنِ النص اي كتاب ديني الا واقتبس منه، ليمزج حضارات وإشارات تجعلها ملائمة للفكر العصري، او بمعنى اصح ليتقبلها الانسان العصري، فقد بدا منذ آلاف السنوات عبر التوراة والانجيل والقرآن ليخرجها بباقة موحدة منمقة متوجة بتفاصيل وعبر من كتاب النبي لجبران، وما يحمله من معان إنسانية وجودية تحمل العديد من الأجوبة لأسئلة عصرية، تحاكي الواقع المادي، الخارجة عن الإطار الإنساني للإنسان كانسان।


في نهاية العرض ظهر انتصار مجددا، لكن بشكل مختلف هذه المرة، فقد ظهر منتصرا وانفرجت أساريره، وعلت الضحكة وجهه وحرص على تهنئة المشاركين بالعمل فردا فردا، بالإضافة إلى الجمهور الذي صفق له طويلا।


مع ملاحظة أن وجود العديد ممن لا يجيدون اللغة العربية بين الجمهور يفرض ثلاثة أمور إما منفصلة او مجتمعة، الأمر الأول توزيع ملخص بلغات متنوعة كالألمانية والانجليزية والفرنسية للحوار الذي سرد باللغة العربية، حتى يعرف الجميع فحوى الكلام الدائر، أو الأمر الثاني ان تتم تلاوة النصوص باللغات المختلفة ضمن عروض منفصلة يتم الإعلان عن مواعيدها مسبقا، والامر الثالث هو ان يحذف الكلام نهائيا والاكتفاء بالإيحاءات الجسدية التي اتت معبرة جدا عن فحوى القصة।


نجح انتصار عبد الفتاح في طقوس عبادته، لتأتي ملائمة ومشرفة لمهرجان المسرح التجريبي الذي تحتضنه القاهرة للعام 21 على التوالي، ليعطي الصورة الرائعة للفكر العربي الصحيح البعيد عن الخزعبلات الآنية التي شوهت وجهه، وأعادتنا ألوف السنوات إلى الوراء، فسبقنا الجميع بعد ان كنا السباقين.

نادر جلال ومسلسل الأخطاء

فادي عاكوم من القاهرة : يتابع المخرج المصري نادر جلال مسلسل الاخطاء المتتالية التي يرتكبها ليس فقط عبر الشاشة الفضية خلال شهر رمضان بل عبر صفحات الجرائد وخلال الايام التي تلت، فبعد النقد اللاذع من مجموعة كبيرة من الكتاب والصحافيين والنقاد واعترافه بالاخطاء الاخراجية، اطل عبر صفحات الصحف اليومية المصرية ليبرر ما قام به وحصر اغلاطه بموديلات السيارات الحديثة التي ظهرت بالفيلم، متغاضيا عن الاخطاء الاخرى كالكمبيوترات والاجهزة الكهربائية الحديثة الاخرى التي ظهرت ببعض المشاهد، فهل من المعقول مثلا ان تظهر شاشة مسطحة لكمبيوتر في استعلامات الفندق الذي كانت تنزل فيه منة شلبي؟ او جهاز التلفزيون في غرفتها، هذا عدا عن الثياب التي ظهرت في اكثر من مشهد في خلفيات اللقطات وكلها كانت حديثة ايضا.

اما الخطا القاتل الذي وقع فيه خلال حديثه الاخير عندما قال ان المشاهد العادي لم ينتبه لاخطاء التصوير بل الصحافيون فقط هم الذين انتبهوا، وهذا تقليل من قدر المشاهد العربي لادنى حدود واعتباره متلقيا سيئا لا ينتبه للتفاصيل، بل مجرد عيون ترى وتتابع دون اي ادراك او فهم للديباجة العامة للقصة او الفيلم، فحول اسم المسلسل من حرب الجواسيس الى حرب الاخطاء.


ربما غاب عن بال مخرجنا العزيز ان الشعوب العربية من اكثر الشعوب ادراكا ومتابعة لكل ما هو حديث من الاجهزة الالكترونية والكهربائية والثياب والموضة وغيره وغيره، فهل من المعقول ان يتوجه بمسلسله الى المشاهد العربي ويحط من قدره بهذه الطريقة؟ واذا كان يدافع بطريقة، افضل طريقة للدفاع هي الهجوم فنقول له لا اخطات ودخلت دائرة التجني فكل ما عليك هو ان تعترف بالغلط وبس.
ولا بد من الاشارة الى بعض الوقائع المتعلقة بالمسلسل، فمخرجنا العزيز كان يحضر المسلسل وكانه برنامج يومي "توك شو" اذ كانت الحلقات تحضر اول باول خلال الشهر وتبث مباشرة مما يدل على عدم المراجعة، وبالتالي فلا تعديلات تحصل ولا مشاهد تبدل او يعاد تركيبها، فمسلسل بهذا الحجم ويتعلق بقضية قومية عربية في مواجهة العدو الصهيوني وكشف طريقته بخطف عقول وضمائر الشباب العربي لا تعالج بهذه الطريقة المتسارعة المتسرعة، وبطريقة القص واللصق.


هل خطر على بال مخرجنا العزيز انه لولا وجود الممثلين الرئيسيين معه وعرض المسلسل خلال رمضان لم يكن احد اساسا سينتبه له ؟ مع الاشارة هنا الى وقوع جزء من المسؤولية على عاتق الممثلين الذين يجب بهم ابداء الراي حول الاخطاء والمطالبة بالتعديل لان اعمال كهذه متعلقة بقضية كهذه تخلدهم وترسخهم في عقول المشاهدين، خصوصا الجيل الجديد الذي لا يعرف شيئا عن تلك الحقبة المجيدة والمشرفة من الصراع العربي الاسرائيلي।

كما غاب عن تفكير نادر جلال انه كان ممكن جدا تصوير المسلسل في مصر، فاحياء كثيرة في القاهرة او الاسكندرية تعود الى الفترة الزمنية ومبانيها في حالة جيدة جدا وشوارعها ملائمة كمواقع تصوير، ولم يأت التصوير في اوروبا بجديد الا بمشاهد الجبال والطبيعة في جبال الالب وهذه تضاف الى المشاهد الاساسية بواسطة تقنية الخلفية الزرقاء، فلو تم التصوير في مصر لكان تفادى اخطاء السيارات القديمة على الاقل التي ما اكثرها في مصر، وكانت مصر قد استفادت من توظيف الاموال داخلها بالاضافة الى تشغيل العشرات بل المئات من الشباب المصري العاطل عن العمل، بالاضافة الى انها دعاية ممتازة لمصر بانها تمتلك هذه الفرادة بمواقع التصوير।

اخيرا اقول له ارجوك احترم المشاهدين واحترم عقولهم وكفاك معالجة الغلط بالغلط فاللي راح راح، وعليك الاعتراف بالاخطاء القاتلة ومعالجتها بعمل جديد يراعي كل ما سبق.

دانيال كوردييه...كلاكيت رابع مرة ، جان مولان: اساطير من رحيق المذكرات

دانيال كوردييه...كلاكيت رابع مرة ، جان مولان: اساطير من رحيق المذكرات


اعداد وتقديم فادي عاكوم: تعتبر الكتابات التي تتناول قصص المقاومة الشعبية وسير المقاومين من الاكثر انتشارا بين قريناتها اذ تلامس الشعور والحس الوطني الكامن لدى المتلقي، واكثر هذه الكتابات نجاحا تلك كتبها مقاومون بسبب دقة التفاصيل والوصف والتجرد والصدق في نقل الاحداث المترافقة مع الشعور والاحساس الصادق، اما ان يكتب مقاوم عن مقاوم اخر فتعتبر قمة كتابية اذ تبتعد نوعا ما عن المغالات الشخصية وتاليه الذات وتاتي من خلال مشاهدات حية صادقة وعاطفية وناقدة في آن واحد.

حين يتم الكلام عن الكتابات التي تناولت الثورة الفرنسية التي قامت ضد الاحتلال النازي فاننا نلاحظ كثافة نوعية وشبه تمجيد وتاليه لابطال هذه الثورة ممزوجة ليس فقط بالحس الوطني الفرنسي بل تتعدى الحدود الجغرافية لتشمل القارة الاوروبية اجمع حتى انها تتعداها لما وراء البحار، بسبب الحملة العالمية انذاك ضد التوسع النازي وتهديده العالم اجمع.

دانيال كوردييه مقاوم فرنسي، انتسب لحركة المقاومة الفرنسية في العقد الثاني شائت له الظروف بعد سنتين من العشرين ان يكون سكرتيرا خاصا لكبير الثوار الفرنسيين – بل لعراب الثورة الفرنسية – جان مولان لفترة سنة تقريبا انبرى خلالها لكتابة مذكراته ولم يخطر بباله حينها ان هذه المذكرات ستكون منطلقا لتأريخ حقبة من اهم حقبات التاريخ الفرنسي الحديث بل لتاريخ اوروبا اذا ما اخذنا بالاعتبار الفترة الطويلة نسبيا التي قضاها مع راعية الثورة والثوار الفرنسيين لندن.

وهنا لا بد من الاشارة الى نوعا من الشوفانية والانا المتملكة في نفس هذا المقاوم الذي قارب الان العقد التاسع، فعلى رغم تناول الكتاب منارة المقاومين الا انه عنون كتابه باسمه الحركي" "آلياس كاركلا: مذكرات 1940 ـ 1943"

وليس خفيا على احد انك حين تتكلم وتكتب عن مقاوم بوزن جان مولان فانك ستسقطب الطبقات المجتمعية بكافة اشكالها، فمولان هو البطل الأول أو البطل المطلق لجميع حركات المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية. انه "ريكس الكبير" وهو اللقب الذي لازمه طوال حياته النضالية إلى جانب ألقاب كثيرة، وتلك النضالات التي توصل مولان من خلالها إلى أن يوحّد في حدود السنة ونصف السنة كل الحركات المتشعبة في البلاد لتصب جميعها تحت لواء موحد وهو "المقاومة الفرنسية" انتهت ذات يوم مع توقيفه في منطقة كالوير في 21 حزيران من العام 1943، ومات اثر التعذيب الهائل الذي تعرض له وكان يبلغ يومذاك 44 عاماً.

أما الكتاب الحدث اليوم في باريس فهو "آلياس كاركلا: مذكرات 1940 ـ 1943": للمؤلف دانيال كوردييه، صدر عن "منشورات غاليمار" ويحمل في طياته صفحات جديدة وغير معروفة من حياة الشاب المناضل، وصحيح ان كوردييه أصدر حتى اليوم ثلاثة كتب عن مولان عن "دار لايتس" وكان ذلك بين عامي 1989 و1993، حاول فيها تأريخ كل المرحلة، غير انه في مذكراته الجديدة يكشف النقاب عن وثائق غير معروفة وغير منشورة عن حياة وأعمال جان مولان خلال المقاومة.

والسؤال هنا من هو آلياس كاركلا؟ إنه أيضاً وبكل بساطة لقب دانيال كوردييه الذي انخرط في صفوف المقاومة وهو في العشرين، ثم انتقل إلى لندن عام 1940 ليعود بعد عامين إلى فرنسا فتجمعه الصدفة مع مولان ليختاره هذا الاخير سكرتيراً له. وكوردييه يروي في مذكراته كيف ان تعامله مع هذا المناضل غيّره تلقائياً وجعل شخصيته تتطور وتتبلور. اليوم يبلغ كوردييه 88 عاماً وهو بعد أن كرّس الآلاف من الصفحات لكتابة التاريخ الخاص بتلك المرحلة التي عايشها، ينتقل اليوم إلى المذكرات ليدوّن ما لا يستطيع التاريخ أن يقوله: والمذكرات الحميمة دقيقة ومؤثرة ولا تثير مشاعر الملل عند القارئ على الاطلاق.

فهو يسرد وحسب وصف الكاتبة كوليت مرشليان بلغة جميلة وبأسلوب تشويقي يوميات "شاب بورجوازي، متأثر بموراس، تحرّضه مسائل وأفكار كثيرة منها معاداته للسامية وإيمانه بخدمة فرنسا حرّة..." إنها مواصفات كوردييه العشرين الذي أرسل لخدمة جورج بيدو فجمعته الصدفة بمولان: كنت أجهل أن هذا اللقاء سيغير كل مجرى حياتي..".

صورة جان مولان أو الرمز الذي أطلقه عبر مقاومة شرّعه الجنرال دوغول حين أمر بنقل رفاته إلى "البانتيون" عام 1964، أي انه وضعه إلى جانب أبطال بلاده، وكانت يومها كلمة تأبينية هائلة للأديب اندريه مالرو.

ومنذ ذلك الحين، وتمر من وقت إلى آخر بعض التفاصيل الجديدة عن حياة جان مولان وكان أبرزها بعض الكتب وفيلم وثائقي وآخر تلفزيوني إلى جانب تكريمه عبر إطلاق اسمه على شوارع عديدة في فرنسا (اسمه وألقابه) كذلك على بعض المدارس والجامعات.

قد يكون البطل الاسطوري جان مولان اسطورة فرنسية محلية لم تخرج أو تتشعب كثيراً خارج البلاد على غرار أبطال الثورات والنضالات في العالم، غير ان الصورة التي يرسمها كوردييه تعطيه حقه وتضيء على مساره الذي تميز بتضحيات هائلة.

ويسرد كوردييه الفصل الأخير من حياة مولان بجمالية كبيرة: كيفية توقيفه في كاليوار، في ضاحية مدينة ليون خلال اجتماع سرّي كان من المفترض أن يتم خلاله تعيين بديل عن الجنرال دليتران المسؤول في الجيش السري الذي كان قد تم توقيفه. فكان ان علم قائد الغستابو كلاوس باربي في المنطقة ان ثمة مسؤولاً يمثل الجنرال دوغول في الاجتماع من دون أن يعلم تفاصيل هويته. ولكن حين تم توقيفه واكتشف انه جان مولان تعرض هذا الاخير للتعذيب بشكل فظيع لمدة أيام طويلة على أمل أن يعترف بأسرار المقاومة، لكنه ظل صامتاً حتى الرمق الأخير، ومات على الأرجح في بدايات تموز 1943 خلال عملية نقله إلى المانيا. ويوم اعلان تحرر فرنسا، كتب القائد جورج بيدو عنه: "مولان، لقد زرعت الحبة ولكن، للأسف، لم تكن هنا يوم الحصاد".

كل هذه التفاصيل من حياة "ريكس الكبير" والتي ذكرها كوردييه من قبل في كتبه السابقة عنه، لا يعود إليها هنا من وجهة نظر تاريخية بل يحاول أن يصف كل ما كان من حولها، ما قبلها، أو ما بعدها، وتأثير كل حدث على مولان في اللحظة. فالقارئ مدعو هنا "للعيش" قليلاً إلى جانب بطله "ريكس الكبير" ليتأمل لحظات قوته وضعفه، حزنه وفرحه، نضاله وحماسته.. كل ما يمكن أن ينقله دانيال كوردييه من تلك الأيام التي عاشها إلى جانب مولان، يكتبه بإحساس كبير وفائض بالاعجاب بذاك البطل القومي والوطني الذي كرّمه كبار بكلمات لا تُنسى وكان أجملها كلمة الأديب اندريه مالرو، يوم نقل رفات "ريكس" الشهيد إلى "البانتيون" حين توجّه إلى شباب بلاده قائلاً: "أيها الشباب، هل تفكرون بهذا الرجل حين وضعتم أيديكم من حول وجهه المشوّه من اليوم الأخير، ومن حول شفتيه التي لم تنطق بكلمة. في ذاك اليوم، كان وجهه وجه فرنسا".

مقتطفات من كتاب مذكرات كوردييه

(...) هذه هي يومياتي كاملة خلال ثلاث سنوات من حياتي المميزة التي بدأت بالنسبة لي في 17 حزيران 1940 حين رفضت خطاب بيتان وأبحرت إلى بايون على متن ليوبولد11. كنت آنذاك أبلغ تسعة عشر عاماً، بعد سنتين من الإعداد في انكلترا في صفوف القوات الفرنسية الحرة التابعة للجنرال ديغول، أنزلت بالمظلة العسكرية في مونلوسون في 25 تموز 1942. كان مصيري مرسوماً بأن أكون بمثابة الراديو الخاص لجورج بيدو، إلا أن جان مولان اختارني لأصير سكرتيره الخاص. عملت معه حتى تاريخ توقيفه وكان ذلك في 21 حزيران 1943. هذه السنوات أسردها تماماً كما عشتها، في جهلي التام بمصيري في اليوم القادم وفي وحدة وعزلة المنفى. لذا اخترت شكل "المذكرات" التي تجبرنا على تمرير الوقت وعلى تمضيته في البحث في الذكريات. فالمحادثات التي أنقلها تبدو بعفويتها وكأنها حوارات حية. كيف نفكر بعد مرور السنوات؟ فلقد انتقدت بشدة كل مذكرات الآخرين لأجد نفسي أخيراً مخدوعاً بما عملت على تأكيده: حيث تنتهي الوثائق، تبدأ صور الماضي المسكون بمفاصل غير أكيدة. ولكن إذا كانت هذه هي طبيعة الشهادات بأن تكون محدودة، فلا شيء يشبه هذا الاسترجاع للماضي الذي يولد لدينا من جديد كل مشاعر الشغف التي غابت. خصصت الكثير من وقتي ومن عنايتي لأرصد الحقيقة، لأنها وحدها الحقيقة تعطي القيمة والمعنى لمشروع مماثل، وكل ذلك لاتذكر مسار ذاك الشاب الفتي المتطرف في سياسته اليمينية الذي كنته، والذي، تحت وطأة الظروف، وجد نفسه يتحول إلى صفوف اليسار. أحياناً تكون الحقيقة مؤلمة وهائلة(..)

جان مولان، المعلم

الخميس 30 تموز 1942

كان الوقت ليلاً حين غادرنا المطعم. "الرون" في نهاية الشارع. سلكنا طريق السكك الحديد باتجاه محطة "بيراش". وعند مستوى ساحة بيلكور، اتجهنا ناحية شارع معتم في موازاة السكة. عندها توقف أمام مدخل أحد المباني، غير بعيد عنّا: "أنظروا جيداً إلى اسم الشارع ورقم المبنى. أسكن في الطابق الأول، عند السيدة مارتن، تعالوا إلى هنا في الغد، عند الساعة السابعة، وستبقى معي: ستكون سكرتيري الخاص. عمْتَ مساء".

بعد حملة فيل ديف..

الثلاثاء، الأول من أيلول 1942:

هذا المساء، رايكس صامت ويفكر. أعرف بأنه يفكر في اليهود. وبعد وقت قصير وكأنه يقصده بكلامه الجلادين، صرخ قائلاً: "يا لهم من جبناء!" وكانت المرة الاولى التي أسمعه فيها يتلفظ بكلمة نابية. وحين لم أعرف بما أردّ عليه، تابع قائلاً: ستعثر على الرسائل الرعوية في البريد القادم، يجب أن نفعل أي شيء لننشر الحقائق حول هذه الجرائم. علينا أن نعثر على الصيغة الأساسية لنعرف كيف نوقظ الرأي العام وننقذ هؤلاء التعساء من مصيرهم. للأسف، ماذا يمكننا ان نفعل؟ في مناسبة كهذه تظهر معالم الضعف في صفوف المقاومة لدينا".

بيكاسو ودورامار

الاثنين 10 أيار 1943:

بعد أن جلسنا على طاولة قريبة من باب المدخل وبعد ان طلبنا العشاء، دخل رجل عجوز ـ وهمس لي كان باسمه في اذني: بيكاسو. فتحت عيني بقوة وبدهشة امام هذا الرجل الذي لا يوحي مظهره بشيء والذي عرفت اسمه بفضل ريكس.

كان قصير القامة، ذكي وحذق في نظرته. وكان يرتدي مثل أي بورجوازي لا يتقن تماماً فن الأزياء، وكان قد أوثق رباط كلبه بجاكيته، والكلب وهو من نوع السلاقي ووبره طويل، وكان يمشي خلفه. وكانت ترافقه امرأة، أعلمني بعدها كان انها صديقته دورا مار. كانت هذه المرأة تمتلك نظرة ثابتة وملامح جامدة وكأنها ملامح امرأة تتعرض للمعاكسة أو المحاربة. وشفتاها الباهتتان والزهريتان تؤكدان غرابة وجهها أكثر فأكثر.

جلسا في عمق الصالة حيث كان بعض الاصدقاء ينتظرانهما. وقد عرف منهم كان جان كوكتو وميشال ليريسي: "انه يحدد كل مواعيده هنا لأنه يملك محترفاً كبيراً هنا في آخر الشارع، قرب سكك الحديد".

بعد كالوير

... شعرت بالفضولية لأعرف مَن أمامي، فسألت صديقي:

"من هي هذه المرأة؟

ـ إنها شقيقة جان.

ولكن من هو جان؟".

ولدى استغرابه الكبير من سؤالي، توقف مونييه ونظر إلي قائلاً: "ألا تعرف، انه معلمك، جان مولان". عندها، اكتشفت بأسلوب لم أنتظره أبداً، اسم الرجل الذي اعتقدت انه مشهور. كنت قد تخيلته في أعلى المناصب السياسية، أو الديبلوماسية أو الرسم مثلاً. أما جواب مونييه فقد حدد وضعه: كان رجلاً مجهولاً. وكانت خيبتي على مستوى أملي، هائلة.

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية

Powered By Blogger

المتابعون